الخميس 31 يوليو 2025 11:53 صـ 5 صفر 1447 هـ
اقرأ الخبر
رئيس التحرير هبة عبد الحفيظ
×

غزة تموت جوعًا.. والأمم المتحدة تتواطأ بالصمت

الأحد 20 يوليو 2025 02:22 صـ 23 محرّم 1447 هـ
غزة تموت جوعا والعالم يتفرج - اقرأ الخبر
غزة تموت جوعا والعالم يتفرج - اقرأ الخبر

في مستشفيات غزة وشوارعها، لا يسقط الضحايا تحت القصف فقط، بل أيضًا بفعل الجوع البطيء، والتجويع المُمنهج الذي تُنفّذه إسرائيل عن عمد، وبغطاءٍ أميركي كامل. الطفل الفلسطيني "يحيى النجار"، البالغ من العمر 3 أشهر، لفظ أنفاسه اليوم جائعًا، جسده النحيل لم يحتمل مزيدًا من الانتظار على وعود الإغاثة الدولية التي لم تأتِ. وبينما تغرق غزة في أسوأ كارثة إنسانية في القرن، تواصل الأمم المتحدة ووكالاتها رفض إعلان المجاعة رسميًا، رغم توافر كل معاييرها الصارمة منذ أشهر.

وفي أحدث تحذير من وكالة "أوتشا"، تبيّن أن أطفالًا وكبارًا يُعالجون في مستشفيات غزة من حالات جوع متقدّمة، وسط نقصٍ حاد في الأغذية والأدوية، وانقطاعٍ تام لمقومات الحياة.

استغاثات تُقابل بالصمت

وكالة "أونروا" ناشدت المجتمع الدولي بكل ما تبقّى من صوت أن يُسعف أكثر من مليونَي إنسان يواجهون خطر الموت جوعًا، بينهم مليون طفل، مؤكدة أن لديها مخزونًا غذائيًا يكفي لإطعام سكان القطاع بالكامل لثلاثة أشهر، لكنها عاجزة عن إدخاله بسبب الحصار الإسرائيلي والتواطؤ الأميركي. هذا العجز الفاضح يُضاف إلى سجلّ أسود من تخاذل العالم المتحضر، الذي لا يزال يلتزم الصمت بينما يُدفن الأطفال جوعى.

مجاعة مكتملة الأركان

تقاريرصحفية وإعلامية كشفت أن كل مؤشرات المجاعة المعتمدة دوليًا باتت متحققة في قطاع غزة منذ فترة. فالبيانات تشير إلى أن 20% من السكان يعانون من جوع شديد، فيما تجاوزت نسب الهزال الشديد بين الأطفال 30%. ويؤكد مركز الإعلام الحكومي أن 650 ألف طفل يواجهون خطر الموت بسبب الجوع، وأن نحو 60 ألف حامل محرومة من الغذاء والرعاية الصحية اللازمة، ما يهدد جيلًا كاملًا بالإبادة البطيئة.

أما منظمة "يونيسيف"، فكشفت أن 112 طفلًا يُنقلون يوميًا إلى المستشفيات للعلاج من الهزال وسوء التغذية، بينما بلغ عدد الشهداء بسبب الجوع 620 شخصًا، بينهم 70 فقط منذ بداية يونيو.

الطعام صار فخًا للموت

لم تكتفِ إسرائيل بقطع الطعام، بل جعلت من البحث عنه طريقًا محفوفًا بالموت. أكثر من 900 فلسطيني استُشهدوا أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات الغذائية، التي يتم توزيعها عبر "مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي جهة أنشأها الاحتلال بالشراكة مع أمريكا لتبدو وكأنها حل، بينما تحوّلت إلى مصيدة.

وفي منطقة المواصي جنوب القطاع، المحاصرة منذ أكثر من 100 يوم، يواجه مليون إنسان خطر الموت جوعًا. أما من يغامر بجسده الهزيل للسير 6 كيلومترات ذهابًا وإيابًا للحصول على كيس طحين أو علبة غذاء، فقد لا يعود حيًّا أصلًا، فجنود الاحتلال يتعمّدون إطلاق النار على الجائعين.

أسعار خيالية... وأجساد منهكة

تحوّل رغيف الخبز إلى حلم. كيلو الدقيق تجاوز 50 دولارًا، والسكر يُباع بالغرام كالمجوهرات، وبلغ سعر الكيلو 1000 دولار. حبة خضار واحدة تبدأ من دولارين إن وُجدت، ما يعني أن أسرة واحدة بحاجة إلى 150 دولارًا على الأقل لتأمين وجبة واحدة في اليوم. لم تعد المعاناة مجازًا، بل واقعًا صارخًا يعيش فيه الفلسطيني بين نار الاحتلال وسيف الجوع.

صوت الشفاء من قلب المأساة

مدير مجمّع الشفاء الطبي، الدكتور محمد أبو سلمية، أكّد في تصريحات لقناة "الجزيرة" أن المجاعة وصلت إلى مراحل كارثية، وشملت كل الفئات، كاشفًا عن استشهاد اثنين بسبب الجوع في يوم واحد فقط. أما الدكتور خليل الدقران، المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى، فأعلن أنهم لم يعودوا يجدون وجبة واحدة للمرضى ولا للعاملين، مشيرًا إلى ارتفاعٍ مرعب في حالات الهزال الحاد.

خذلان عربي وتواطؤ غربي

هذه المجاعة ليست قدرًا، بل جريمة موصوفة تحدث على مرأى من العالم. المجتمع الدولي، بهيئاته ومنظماته الكبرى، يتواطأ بالصمت، بينما تواصل الدول العربية والإسلامية التذرّع بالعجز، تاركة أهل غزة يواجهون الجوع وحدهم. إن ما يحدث في غزة اليوم ليس فقط مأساة إنسانية، بل إدانة أخلاقية لتلك الأنظمة التي ارتضت أن تكون شاهدة زور على مجازر الجوع.

وفي مواجهة هذه الإبادة الجماعية البطيئة، لا يكفي التعاطف، بل بات الصمت جريمة، والتخاذل خيانة. فهل ينتفض الضمير الإنساني قبل أن تبتلع المجاعة ما تبقّى من أرواح؟