الجمعة 1 أغسطس 2025 07:08 صـ 6 صفر 1447 هـ
اقرأ الخبر
رئيس التحرير هبة عبد الحفيظ
×

”عصابات السناتر”: تعليم خارج السيطرة وشهادات بلا اعتماد

السبت 19 يوليو 2025 11:15 مـ 23 محرّم 1447 هـ
مافيا سناتر الدروس الخصوصية - اقرأ الخبر
مافيا سناتر الدروس الخصوصية - اقرأ الخبر

تحوّلت الدروس الخصوصية في مصر من وسيلة مساندة للتعليم النظامي إلى منظومة موازية منفلتة من أي رقابة. باتت "السناتر" التعليمية تنتشر كالنار في الهشيم، وتفرض نفسها على الطلاب وأولياء الأمور، الذين وقعوا أسرى في قبضة منظومة استغلال لا تتورع عن رفع الأسعار أو خداع الأسر برسائل تسويقية مضللة. ومع اقتراب كل عام دراسي، تبدأ مراكز الدروس في حملات استقطاب للطلاب، رغم أن الدراسة لم تبدأ بعد، وكأن التعليم الرسمي فقد كل قيمة فعلية لصالح مافيا التعليم الموازي.

وفي قلب هذه الفوضى، يبرز اسم مركز تعليمي شهير يُدعى "SAT Home"، يملكه شخص يُدعى (أ. ز.)، ويسيطر على قرابة 14 فرعًا موزعة بين القاهرة والجيزة. تنتشر فروع هذا الكيان في مناطق حيوية مثل المعادي، مدينة نصر، التجمع الأول، والحي الأول بمحافظة القاهرة، فضلًا عن سيدي جابر والعبور. أما في محافظة الجيزة، فتنتشر فروعه في المهندسين وحدائق الأهرام. ومع غياب الرقابة والمساءلة، بات هذا النموذج يتكرر في مختلف المحافظات، دون تدخل فعلي يضع حدًا لتغوّل هذا القطاع غير الرسمي.

شهادات وهمية بمظهر رسمي

لم تتوقف ممارسات بعض أصحاب "السناتر" عند حدود استنزاف الأموال مقابل الدروس، بل امتدت لتشمل الترويج لما يشبه "الدبلومات" التعليمية المزيفة، تحت ادعاء أنها شهادات معتمدة من جهات رسمية داخل مصر أو خارجها. ويستغل أصحاب هذه المراكز حاجة أولياء الأمور لشهادات إضافية تعزز من فرص أبنائهم في القبول الجامعي، أو تضيف لهم ميزة تنافسية مستقبلًا، فيروجون برامج تعليمية تحت أسماء لامعة وبراقة، مقابل رسوم مرتفعة، دون وجود أي توثيق حقيقي من الجهات المختصة. ويكشف بعض الضحايا أن هذه الشهادات لا تُعترف بها من أي مؤسسة حكومية أو تعليمية، بل إن بعضها لا يحمل حتى رقم تسجيل أو ختمًا رسميًا، ما يفتح الباب واسعًا أمام النصب العلني المغلف بغلاف أكاديمي وهمي.

جهود حكومية متعثرة

في مواجهة هذا المشهد، تحاول وزارة التربية والتعليم احتواء الفوضى التي أفرزتها ظاهرة السناتر. وعلى الرغم من إعلانات متكررة عن إجراءات للحد من الدروس الخصوصية، فإن هذه المحاولات كثيرًا ما تصطدم بشبكة معقدة من المصالح والممارسات الراسخة، في وقت يطالب فيه أولياء الأمور بحلول واقعية تنهي الاستنزاف المالي الذي يتعرضون له. وفي هذا السياق، يواصل وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، السيد محمد عبد اللطيف، عرض تفاصيل مشروع تعديل قانون التعليم أمام لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب، في محاولة لإعادة ضبط الإطار القانوني للنظام التعليمي.

حضر الجلسة عدد كبير من مسؤولي الدولة، من بينهم المستشار محمود فوزي وزير الشؤون النيابية والتواصل السياسي، والدكتور سامي هاشم رئيس لجنة التعليم، والنائبة ماجدة بكري، والنائب إيهاب الطماوي، إلى جانب مسؤولي الوزارة مثل الدكتور أحمد ضاهر والدكتور أحمد المحمدي والمستشار القانوني للوزارة أشرف السيد. وتناول النقاش التحديات الكبرى التي تواجه التعليم في مصر، وسبل إعادة الهيبة للنظام التعليمي الرسمي.

التعليم المجاني خط أحمر

أكد الوزير عبد اللطيف، في كلمته، أن مجانية التعليم حق دستوري لا يمكن التفاوض بشأنه، مشددًا على أن نظام الثانوية العامة سيبقى كما هو دون تغيير، وكذلك نظام شهادة البكالوريا المصرية التي تتيح للطالب فرصة اختيارية ثانية لتحسين مستواه، مقابل رسوم تهدف إلى تغطية تكاليف الإجراءات اللوجيستية. وأوضح الوزير أن الفئات غير القادرة تعفى سنويًا من هذه الرسوم، بما يعكس التزام الدولة بمبدأ تكافؤ الفرص.

وأشار الوزير إلى أن نظام "فرصة التحسين" يخفف من ضغط الامتحان الواحد، ويمنح الطلاب هامشًا أكبر للنجاح دون أن تكون نتيجة امتحان واحد حاسمة لمصيرهم. كما شدد على أن الحوار المجتمعي حول شهادة البكالوريا شمل كافة الأطراف المعنية، من خبراء ووزراء سابقين ونواب وإعلاميين، وصولًا إلى أولياء الأمور، في محاولة لصياغة نظام تعليمي أكثر عدالة ومرونة.

إصلاحات مقترحة

ناقشت جلسة البرلمان أيضًا المادة الخاصة بعدم إحالة المعلمين للمعاش قبل نهاية العام الدراسي، باعتبارها من مواد الإنصاف المهني التي تُقدر دور المعلم وتضمن استمرار عطائه حتى اللحظة الأخيرة من العام. كما تناول الوزير الجوانب المتعلقة بتنظيم التعليم الثانوي التكنولوجي، مؤكدًا أن مدارس التكنولوجيا التطبيقية تمثل مستقبل التعليم الفني، وتسهم في ربطه بسوق العمل.

ونفى الوزير بشدة أن يكون الهدف من تعديل القانون هو توسيع صلاحيات وزير التعليم، بل أكد أن الوزارة منفتحة على أي مقترحات تصب في صالح الطلاب والنظام التعليمي، داعيًا إلى صياغة توافقية تعكس توازنًا بين مصلحة الدولة وحقوق المواطنين.

برلمان على الخط

من جانبه، شدد الدكتور سامي هاشم، رئيس لجنة التعليم، على التزام اللجنة بالتعاون مع الحكومة لإخراج مشروع القانون بصيغة تخدم الصالح العام، وتوازن بين تطلعات الدولة واحتياجات المواطن. وأكد أن اللجنة لن تقبل إلا بصيغة تحفظ مجانية التعليم وتحمي كرامة المعلم، وتعيد الاعتبار للنظام التعليمي الرسمي الذي طالما شكّل عماد الدولة المصرية الحديثة.