اتفاق أمريكي ياباني على معادن نادرة وطاقة نووية قبيل لقاء ترامب وشي جين بينغ
		في خطوة استراتيجية جديدة تسبق اللقاء المنتظر بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ونظيره الصيني شي جين بينغ هذا الأسبوع في كوريا الجنوبية، وقّعت الولايات المتحدة واليابان اتفاقيات شراكة واسعة في مجالي الطاقة النووية والمعادن النادرة، بهدف تقليص الهيمنة الصينية على سلسلة الإمدادات العالمية وتوسيع التعاون في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتقدمة.
وجاء التوقيع في قصر أكاساكا بطوكيو، حيث وقّع ترمب ورئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايشي وثائق الاتفاق تحت أضواء ثلاث ثريات ذهبية ضخمة في القاعة ذات الطراز الباروكي الجديد، وسط تصفيق مساعدي الجانبين. وأكد البيان المشترك أن الاتفاق يشمل المعادن الحرجة المستخدمة في الصناعات الاستراتيجية كافة، من السيارات إلى الطائرات المقاتلة، وأنه يمثل بداية مرحلة جديدة من التحالف الاقتصادي بين البلدين.
تقليص الهيمنة الصينية
ورغم أن الزعيمين لم يذكرا الصين صراحة خلال مراسم التوقيع، فإن خلفيات الاتفاق لا تخفى، إذ تهيمن بكين على أكثر من 90 في المائة من عمليات معالجة المعادن النادرة في العالم، وتتحكم عمليًا في سلسلة توريدها للدول الصناعية الكبرى. وقد فرضت مؤخرًا قيودًا إضافية على تصديرها، ما أثار قلق واشنطن وطوكيو على أمنهما الصناعي والاقتصادي.
وأوضح البيت الأبيض في بيانه أن الاتفاق الجديد يهدف إلى تسريع تطوير أسواق متنوعة ومستقرة للمعادن النادرة من خلال تنسيق الاستثمارات واستخدام الأدوات الاقتصادية المشتركة بين البلدين. وأضاف أن الجانبين سيقدمان دعمًا ماليًا لمشروعات مختارة خلال الأشهر الستة المقبلة، كما يدرسان إنشاء نظام تخزين تكاملي مشترك، بالتعاون مع شركاء دوليين، لضمان أمن سلاسل الإمداد الحيوية.
وتشير تقديرات مجموعة "يوراسيا" إلى أن الصين تستحوذ على النصيب الأكبر من عمليات الاستخراج والمعالجة، بينما تمتلك الولايات المتحدة وميانمار 12 و8 في المائة على التوالي من موارد العالم، فيما تشارك ماليزيا وفيتنام بنسبة ضئيلة من عمليات المعالجة التي تهيمن عليها الصين أيضًا.
مفاعلات نووية جديدة
شمل الاتفاق كذلك التعاون في بناء مفاعلات نووية من الجيل الجديد، وعلى رأسها مفاعلات "AP1000" والمفاعلات الصغيرة المعيارية (SMRs)، بمشاركة شركات يابانية كبرى مثل "ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة" و"توشيبا". وجاء في مذكرة التفاهم أن البلدين يسعيان لتطوير تكنولوجيا أكثر أمانًا وأقل تكلفة لتأمين الطاقة الكهربائية وتوسيع صادرات التكنولوجيا النووية.
ويُعد هذا الملف أحد أبرز أولويات رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايشي، التي أصبحت أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في اليابان الأسبوع الماضي، حيث ترى أن الطاقة النووية هي الركيزة الأساسية لأمن الطاقة الوطني ولمكانة اليابان الدولية كمصدّر للتكنولوجيا. وقد أغلقت طوكيو جميع مفاعلاتها بعد كارثة فوكوشيما دايتشي عام 2011، الناجمة عن زلزال مدمر وتسونامي هائل، بينما سيطرت الصين وفرنسا وكوريا الجنوبية وروسيا على سوق تصدير المفاعلات منذ ذلك الحين.
وأشار بيان منفصل للبيت الأبيض إلى أن التعاون بين الجانبين قد يشمل أيضًا تطوير الطاقة الاندماجية النووية، وهي أحد المجالات التي توليها تاكايشي اهتمامًا خاصًا ضمن رؤية اليابان للطاقة المستدامة. وكشفت ورقة الحقائق الصادرة عن البلدين أن نحو 20 شركة من الجانبين أبدت اهتمامها بالمشاركة في مشاريع استثمارية ضمن حزمة استثمارات بقيمة 550 مليار دولار.
الغاز الأمريكي بديلاً لروسيا
لكن اللافت أن الوثيقة لم تشر إلى أي اتفاق جديد بشأن استيراد الغاز الطبيعي المسال (LNG) من الولايات المتحدة، رغم توسع الشركات اليابانية مؤخرًا في هذا الاتجاه. وقبل جولة ترمب الآسيوية، كانت واشنطن قد حثت جميع مشتري الطاقة الروسية، ومنهم اليابان، على التوقف عن الاستيراد، وفرضت عقوبات على شركتي "روس نفط" و"لوك أويل" الروسيتين، في إطار الضغط على الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وخلال الأعوام الأخيرة، زادت اليابان مشترياتها من الغاز الأمريكي المسال لتقليل اعتمادها على أستراليا كمورد رئيسي، والتحضير لانتهاء عقود الإمداد مع مشروع "ساخالين-2" الروسي، الذي شاركت شركتا "ميتسوبيشي" و"ميتسوي" في تأسيسه عام 2009. وفي يونيو الماضي، وقعت شركة "جيرا"، أكبر مستورد للغاز في اليابان، عقدًا لشراء ما يصل إلى 5.5 مليون طن سنويًا من الغاز الأمريكي على مدى 20 عامًا بدءًا من عام 2030، وهي كمية تقارب وارداتها السنوية من روسيا.
وتغطي إمدادات "ساخالين-2" نحو 9 في المائة من احتياجات اليابان من الغاز، وتنتهي العقود الخاصة بها بين عامي 2028 و2033. وتستورد اليابان أقل من 1 في المائة من نفطها من روسيا بموجب إعفاء مؤقت من العقوبات ينتهي في ديسمبر، بينما تعتمد في معظم احتياجاتها النفطية على دول الشرق الأوسط.
استثمارات وتفاهمات جديدة
في سياق متصل، أعلنت شركة الغاز الكبرى في طوكيو "طوكيو غاز" عن توقيع اتفاق مبدئي لشراء مليون طن سنويًا من الغاز المسال من مشروع ألاسكا للغاز الطبيعي، وهو ما يأتي بعد إعلان مشابه من شركة "جيرا" في سبتمبر. كما خصصت "جيرا" مبلغ 1.5 مليار دولار للاستثمار في أصول الغاز بولاية لويزيانا الأمريكية، في أول خطوة لها نحو الاستثمار المباشر في الإنتاج داخل الولايات المتحدة، حيث تمتلك كل من "طوكيو غاز" و"ميتسوي" حصصًا قائمة بالفعل.
وترى الحكومة اليابانية أن استمرار استيراد الغاز الروسي من مشروع "ساخالين-2" ضروري للحفاظ على استقرار أسعار الكهرباء، إذ لا يستغرق وصول الغاز منه إلى اليابان سوى أيام قليلة، مقارنة بأسبوع من ألاسكا وشهر كامل من سواحل خليج المكسيك الأمريكي.
ويقول نوبوو تاناكا، الرئيس التنفيذي لشركة "تاناكا غلوبال"، إن "الولايات المتحدة تريد من اليابان وقف استيراد الطاقة الروسية، لكن هذا الغاز هو الأقرب والأرخص"، مضيفًا أن السؤال الحقيقي هو: "هل تستطيع واشنطن توفير غاز مسال بأسعار مماثلة لما يأتي من روسيا؟ وهل سيكون الغاز القادم من ألاسكا بتلك الكلفة المنخفضة؟".
سباق النفوذ في آسيا
تأتي هذه التحركات الأمريكية–اليابانية في وقت بالغ الحساسية، قبيل لقاء ترمب وشي، الذي يُتوقع أن يبحث اتفاقًا لوقف التصعيد التجاري، يشمل تعليق الرسوم الأمريكية الإضافية مقابل تخفيف الصين قيودها على صادرات المعادن النادرة. ويرى محللون أن الاتفاق الجديد بين واشنطن وطوكيو سيمنح الولايات المتحدة ورقة ضغط إضافية في مواجهة بكين ضمن حرب التكنولوجيا والطاقة العالمية.
وبينما تسعى واشنطن لتثبيت اليابان كحليف استراتيجي أول في آسيا، ترى طوكيو في هذا التعاون فرصة تاريخية لاستعادة مكانتها الدولية في مجالات الطاقة النظيفة والتكنولوجيا النووية، وللخروج من الظل الاقتصادي الذي فرضته عليها الأزمات المتتالية منذ فوكوشيما.
ويؤكد البيان الختامي المشترك أن العالم يدخل "مرحلة جديدة من التنافس الدولي على مفاتيح الطاقة والمعادن النادرة"، حيث لم تعد الحرب تدور حول النفط فقط، بل حول العناصر التي تصنع مستقبل التكنولوجيا ذاتها.












