الأربعاء 10 سبتمبر 2025 07:39 صـ 17 ربيع أول 1447 هـ
اقرأ الخبر
رئيس التحرير هبة عبد الحفيظ
×

غارة إسرائيلية على الدوحة تهز الوساطة القطرية وتكشف أبعاد الصراع الخفي

الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 05:41 مـ 16 ربيع أول 1447 هـ
غارة إسرائيلية على العاصمة القطرية الدوحة استهدفت اجتماعا لقيادات حماس - اقرأ الخبر
غارة إسرائيلية على العاصمة القطرية الدوحة استهدفت اجتماعا لقيادات حماس - اقرأ الخبر

في خطوة غير مسبوقة، استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي مقر اجتماع قيادات حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، بينما كانوا يناقشون مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الأخير بشأن التهدئة. وأكد مصدر قيادي في الحركة لقناة الجزيرة أن الوفد، برئاسة الدكتور خليل الحية، نجا من محاولة الاغتيال، رغم أن القصف أصاب محيط مكان الاجتماع في حي كتارا الراقي. وأضاف المصدر أن الوفد كان يضم قيادات بارزة في المكتب السياسي، بينهم شخصيات معروفة بلعب أدوار تفاوضية في الملفات الإنسانية وصفقات تبادل الأسرى.

تقرير رويترز أفاد بأن دوي انفجارات قوية هز العاصمة، بينما شوهدت أعمدة دخان تتصاعد من سماء كتارا. وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية، بينها القناة 14، إلى أن العملية كانت تهدف لاغتيال قيادات محددة مثل خليل الحية وزاهر جبارين. غير أن تضارب الروايات يعكس مجددًا الحرب الإعلامية المواكبة للعدوان الإسرائيلي منذ أكتوبر 2023، حيث تسعى تل أبيب دائمًا إلى تضخيم النتائج الميدانية لتغطية إخفاقاتها المتكررة.

بيان الاحتلال وتبريراته المعتادة

جيش الاحتلال أصدر بيانًا قال فيه إنه "شن هجومًا مركزًا" بالتعاون مع جهاز الشاباك على ما أسماه "قمة قيادة منظمة الإرهاب حماس". وادعى أن القيادات المستهدفة مسؤولة عن "مذبحة 7 أكتوبر" وعن إدارة الحرب ضد إسرائيل، مؤكدًا أن العملية نُفذت بأسلحة دقيقة لتقليل الأضرار على المدنيين.

لكن هذه اللغة باتت مألوفة ومتكررة، إذ لطالما استخدمت إسرائيل ذرائع "الأسلحة الدقيقة" لتبرير قصفها الكثيف الذي أوقع عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى المدنيين في غزة منذ بدء الحرب. اللافت هذه المرة أن الاحتلال اختار نقل المعركة إلى قلب العاصمة القطرية، بما يفتح الباب أمام أسئلة أكبر حول دلالات الاستهداف في هذا التوقيت، ورسائله السياسية والأمنية.

قطر كوسيط في مرمى النار

أهمية الحدث لا تكمن فقط في محاولة اغتيال قيادات حماس، بل في مكان وقوعها: الدوحة. فمنذ سنوات طويلة، تلعب قطر دور الوسيط الأكثر تأثيرًا بين حماس وإسرائيل، بغطاء أمريكي ودولي. وخلال الحرب الجارية منذ أكتوبر 2023، تحولت الدوحة إلى مركز المفاوضات الأساسية الخاصة بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، مستفيدة من شبكة علاقاتها الوثيقة بالأطراف الثلاثة: واشنطن، تل أبيب، وحماس.

وباستهداف قيادات الحركة على أراضيها، فإن إسرائيل لا تضرب حماس وحدها، بل تمس بشكل مباشر مكانة قطر كوسيط معتمد. هذا التصعيد قد يضع الدوحة في موقف شديد الحرج: فمن جهة، لا تستطيع التخلي عن دورها الذي منحها وزنًا سياسيًا غير مسبوق في المنطقة، ومن جهة أخرى تجد نفسها مهددة بالتحول إلى ساحة مواجهة مفتوحة إذا ما كررت إسرائيل عمليات مشابهة.

انعكاسات على المفاوضات

الهجوم تزامن مع نقاش الوفد القيادي لمقترح ترمب الأخير، وهو ما يمنحه أبعادًا إضافية. فتل أبيب تبدو وكأنها ترسل رسالة مزدوجة: أولًا، رفض أي مسار تفاوضي لا يلبي شروطها القصوى؛ وثانيًا، إثبات أن قدرتها على استهداف الخصوم لا تحدها الجغرافيا، حتى وإن كان ذلك في دولة حليفة لواشنطن.

هذا الموقف يضع المفاوضات في مهب الريح. فمن المتوقع أن تؤدي العملية إلى تجميد أو تعثر مسار الوساطة لفترة طويلة، خاصة أن حماس ستنظر إليها كدليل إضافي على أن إسرائيل لا تريد حلولًا سياسية بل تسعى لتصفية قادتها. كما قد تضطر الحركة إلى إعادة تقييم علاقتها بالوساطة القطرية إذا لم تتمكن الدوحة من الحصول على ضمانات جدية تمنع تكرار مثل هذه العمليات.

الموقف الأمريكي الملتبس

يبقى السؤال الأبرز: هل كانت واشنطن على علم بالعملية؟ الولايات المتحدة لطالما دعمت الوساطة القطرية، واعتبرتها إحدى الأدوات القليلة القادرة على التواصل مع حماس. لكن في ظل علاقة إدارة ترمب الحالية المتوترة مع بعض المؤسسات الأمريكية، واحتمال وجود توافق سري مع تل أبيب، قد يُنظر إلى الصمت الأمريكي كدليل على ضوء أخضر ضمني لإسرائيل.

إنكار واشنطن معرفتها المسبقة لا ينفي مسؤوليتها السياسية، فإسرائيل تعتمد اعتمادًا كاملًا على الغطاء الأمريكي في كل عملياتها العسكرية. وإذا تبين أن الهجوم تم دون تنسيق، فهذا يعني أن إسرائيل تجاوزت الخطوط الحمراء حتى مع حليفها الأوثق، وهو ما قد يسبب خلافًا مكتومًا بين الطرفين، وإن لم يظهر للعلن.

تداعيات إقليمية أوسع

الغارة على الدوحة ليست مجرد حادثة أمنية، بل حدث سياسي ستكون له تداعيات واسعة. فهي أولًا تهدد استقرار قطر، وتضعها أمام تحديات أمنية غير مسبوقة. وثانيًا، تفتح الباب أمام احتمال نقل المعركة الإسرائيلية مع حماس إلى عواصم أخرى في المنطقة، بما يرفع من مستوى التوتر الإقليمي. وثالثًا، قد تدفع بعض القوى العربية إلى إعادة النظر في صمتها أو حيادها، إذ إن خرق سيادة دولة مثل قطر قد يُنظر إليه كتصعيد يستهدف المنظومة الخليجية بأسرها.

أما بالنسبة لحماس، فإن العملية قد تعزز قناعتها بأن أي رهان على المسار السياسي مع إسرائيل غير مجدٍ، وأن الخيار العسكري سيظل مطروحًا بقوة. وقد يؤدي ذلك إلى تصلب مواقفها التفاوضية، ما يفاقم من صعوبة أي اتفاق في المستقبل القريب.

موضوعات متعلقة