اقرأ الخبر

سميح خلف يكتب: غزة والمتغيرات الإقليمية.. مرتبة كُتبت بالنار

الخميس 26 يونيو 2025 02:19 مـ 29 ذو الحجة 1446 هـ
الكاتب والمحلل سميح خلف - اقرأ الخبر
الكاتب والمحلل سميح خلف - اقرأ الخبر

تفاجأ البعض بقرار سيد البيت الأبيض الأميركي، بالقرار الجازم والحاسم لوقف إطلاق النار بين قوتين إقليميتين، لكل منهما برامجه وطموحاته في المنطقة، وبامتداد الدور الوظيفي لما يُسمّى "دولة إسرائيل" كنتاج لرسم القوة في منطقة الشرق الأوسط. لا نريد هنا أن ندخل في مسار دوافع وجود هذا الكيان، أما إيران، فمنذ ثورتها الإسلامية عام 1979، وما رفعته من شعارات أيديولوجية عقائدية، فقد فُرض عليها أن تكون لاعبًا رئيسيًا في اللحظات والفترات المستقبلية الهامة في المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والقدس.

نظّمت إيران "يوم القدس العالمي"، والذي يُعقد سنويًا، بالإضافة إلى المساعدات الواسعة التي قدّمتها للمقاومة الفلسطينية، بكافة انتماءاتها الأيديولوجية، سواء كانت علمانية أو إسلامية، بصرف النظر عن التصنيف المذهبي. وقفت الثورة الإسلامية في إيران على نقيض مع التيارات القومية في الوطن العربي، ولاحقًا مع الأنظمة التي صاغتها اتفاقية "سايكس بيكو" بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، ومع انهزام التيارات القومية في أوروبا.

أردت من هذه المقدمة أن أضع البصمات الأولى كخلفية لما يحدث اليوم، وما حدث بالأمس. وهنا أؤكد أن نتائج الحرب العالمية الثانية لم تَعُد تلبّي احتياجات القوى القديمة والصاعدة في العالم والمنطقة، وذلك لعدة اعتبارات: اقتصادية، وأمنية، وسكانية، ومرتبطة بالموارد والمعادلات الظالمة بين المنتج والمستهلك، التي حُسمت لصالح القوى المنتصرة في الحرب. ومن هنا، بدأت قوى مثل إيران، والصين، والهند، وبعض دول آسيا، وتركيا، ومصر، تبحث عن دور أكبر وأكثر عدالة مما فُرض عليها.

لم تَعُد الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى ذات فاعلية في تلبية طموحات الدول الصاعدة والنامية، مثل إيران. فقادت إيران محور مقاومة النفوذ الأميركي والغربي في الشرق الأوسط، وتقاطعت مصالحها مع الصين وروسيا وكوريا الشمالية، ودول أخرى في أميركا اللاتينية. واستطاعت إيران أن تدخل إلى عواصم عربية، خصوصًا في المناطق المؤثرة مثل الممرات البحرية في اليمن، والدول المحيطة بما يسمى "إسرائيل"، التي تُعد العدو العقائدي والنفوذي لها.

خسرت إيران بعض مخالبها في المنطقة، من خلال مواجهات مع الكيان الصهيوني، سواء في لبنان أو سوريا، وتراجعت نسبيًا في العراق، أما في اليمن فلها نفوذ يصارع النهج الأميركي الغربي، ولم تبخل بدورها -حسب إمكانياتها– في ضرب عمق الكيان الصهيوني. وقد تحمّلت ما تحمّلته من قوة غاشمة نفذتها إسرائيل، مدعومة بمخازن السلاح الأميركي، كما حدث في الضاحية الجنوبية للبنان، وفي جنوبه، وخسارة سوريا شبه الكاملة، والحرب البشعة على المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة. فلم تكن "وحدة الساحات" سوى شعار لم يُحسم تطبيقه زمنيًا وتكتيكيًا واستراتيجيًا.

قد يتساءل البعض:

هل يعني "فصل الساحات" أن كل ساحة تُواجه بمفردها؟!
فهل من المعقول أن قادة النظام الإيراني لم يدركوا ذلك؟!
المهم أن ما حدث... قد حدث. وتمّ فصل الساحات، وانفردت أميركا وإسرائيل والغرب باصطيادها واحدة تلو الأخرى.

لكن، هل ما حدث كان سيناريو متفقًا عليه بين جميع الأطراف؟ (إيران، إسرائيل، وأميركا؟)

لا أعتقد ذلك.

فالمشاهد العملية للمواجهات الأخيرة كانت واضحة: تل أبيب، حيفا، ويافا دُمّرت، وشمال فلسطين المحتلة أصبح شبه مهجور، بأكثر من 30,000 نازح نحو الجبال والهضاب. هناك انهيار سياسي، واجتماعي، وعسكري، وهروب الآلاف إلى قبرص مقابل 20,000 دولار للفرد، والبعض لدول مجاورة. ولا حاجة للحديث عن الخسائر الاقتصادية أو التمزق المجتمعي بين انتماءات شرقية وغربية.

وبالمثل، لا يمكن إنكار ما تعرضت له طهران وأصفهان وبقية الأراضي الإيرانية من خسائر فادحة، واختراق واضح من سلاح الجو الإسرائيلي للأجواء الإيرانية. لكن لا يمكن أيضًا تجاهل ما فعلته الصواريخ الإيرانية الفائقة السرعة داخل فلسطين المحتلة، والتي وضعت "فخر الصناعة الأميركية والإسرائيلية" في موقف محرج، مما سيؤثر حتمًا على صادراتها من الأسلحة والدفاعات الجوية.

فأي "مسرحية" هذه التي تدمر المدن وتُكبّد الطرفين خسائر بشرية واقتصادية فادحة؟! بالتأكيد، مَن يروّج لتلك الفكرة قد أُصيب بـ "الحَول السياسي"!

لكن، هل يمكن القول إننا دخلنا في مرحلة "إعادة صياغة معادلات جديدة"، لا منتصر فيها ولا مهزوم؟ نعم، والسبب الأهم: "حكومة الظل العالمية" التي تقرر متى تبدأ الحروب ومتى تنتهي، وكيف يتم رسم خريطة النتائج، حتى على الرئيس الأميركي نفسه.

أبرز الأسباب التي دفعت نحو وقف إطلاق النار:

الخطر النووي الإيراني:
استمرار الحرب كان سيؤدي لتصعيد نووي حقيقي. إيران كانت مستعدة لرفع نسبة التخصيب من 6% إلى 9% خلال أسبوعين، وبدأت التلميحات للانسحاب من وكالة الطاقة الذرية، ما أقلق الغرب بشكل بالغ.

حسابات داخلية إسرائيلية:
إسرائيل لن تتحمّل الاستمرار طويلًا في الحرب، خصوصًا مع التراجع في كفاءة منظوماتها الدفاعية، التي كانت تُستنزف بشكل متسارع.

استحالة النصر الكامل:
أميركا والغرب يدركون جيدًا أنه لا يمكن هزيمة إيران دون اجتياح بري، وهذا أمر مستحيل عمليًا بسبب الطبيعة الجغرافية والديموغرافية الإيرانية المعقدة، ناهيك عن الأيديولوجيا العقائدية الراسخة.

ضربة النقب الحاسمة:
الضربة الإيرانية القاصمة لمنطقة النقب، والتي أفقدت نتنياهو اتزانه، كانت القشة التي أنهت المشهد. أما الضربات الأميركية للمفاعلات النووية الإيرانية فكانت سطحية، مع علم الإيرانيين المسبق بها، وقصف قاعدة "العديد" بقطر كان رمزيًا.

وفي ظل هذه المعادلات، استطاعت الإدارة الأميركية بقيادة ترامب أن تنتزع مكاسب دبلوماسية كبيرة، أبرزها انتزاع إيران من التزاماتها الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وإعادة طرح فكرة "إيران المزدهرة" والتعاون معها وربما حتى في برنامجها النووي السلمي.

لكن، يبقى السؤال الحرج:

هل سيقبل الجناح الراديكالي في الحرس الثوري الإيراني بهذه المعادلات؟!
الجواب سيتضح في الشهور القادمة...

غزة: جوهر الحكاية

رغم كل ما سبق، تبقى غزة هي قصة الماضي، والحاضر، والمستقبل. فأثناء المواجهات مع إيران، كثّفت دولة الاحتلال ضغوطها في الضفة الغربية: بوابات على كل مدينة وقرية، وعزل مجتمعي كامل، تمهيدًا للضم وتقويض أي حل سياسي. في الوقت نفسه، غزة كانت تحت الحصار والحصار.

رغم حشد أربع فرق على غزة، استطاعت المقاومة أن تُلحِق خسائر موجعة بالاحتلال، وتُربكه وجوديًا. لكن للأسف، لم تُذكَر غزة في أي من التصريحات الأميركية أو الغربية أو حتى الإقليمية، وكأنها خارج الزمان والحدث.

فهل ما زالت غزة في عقل ترامب ونتنياهو؟!

هل الغاز والشواطئ والموقع الجغرافي والمناخ، كلها عوامل تدخل في حسابات ربط غزة بمشروع الهند الاقتصادي العالمي؟
وهل ستتمكن غزة من مقاومة مشروع التهجير أو تقليص عدد السكان؟!

من المؤسف أيضًا، الربط الواضح بين ما حدث في 7 أكتوبر وما جرى في 13 يونيو من قصف لطهران.

ويبدو أن المعادلة تتغير، لكن الفلسطينيين والقضية الفلسطينية دائمًا ما يكونون تحت تأثير المتغيرات الدولية والإقليمية منذ الحرب العالمية الأولى حتى الآن...

سميح خلف - كاتب ومحلل فلسطيني